17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| قرن ونصف على ميلاد الأمير

إيقاع مختلف| قرن ونصف على ميلاد الأمير

وطنى .. لو شغلت بالخـلد عنه| نازعتنى إليه فى الخـــلد نفسى

مضى قرن ونصف القرن على ميلاد أمير الشعراء العرب فى العصر الحديث أحمد شوقى، وكثير من قراء الشعر وعشاقه بل وفرسانه ونقاده ينظرون إلى أحمد شوقى باعتباره شاعراً كبيراً وكفى، ولا ينتبهون للقيمة الحقيقية لهذا العلم المصرى الكبير، فلا يدركون أنه يمثل حالة فريدة فى أدبنا العربى المعاصر، لاسيما إذا ما تم النظر إليه فى سياق المرحلة الزمنية التى ظهر  فيها، فهو من ناحية صاحب النقلة الكبرى للشعر العربى من غنائيته الموروثة إلى آفاق أكثر رحابة، ربما يبدو تجليها الأكبر فى مسرحياته الشعرية التى تعد أول دخول لهذا الجنس الأدبى الثرى إلى ساحة الثقافة العربية.

وهو من ناحية ثانية صاحب الانطلاقة العلياء للقصيدة العربية، فبعد أن كان رب السيف والقلم محمود سامى البارودى يدور فى أفق المعارضات الشعرية محاولاً أن يصل ما بين ماض عريق وحاضر يحتاج إلى من ينهض به، إذا بشوقى يقدم قصيدة شعرية شديدة العصرية، عميقة الثقافة، مدهشة الصورة، لا تعطى ظهرها للتراث الشعرى العربى ولا تدور فى فلكه، وإنما هى قصيدة تلم بذلك التراث وتتمثله، ثم يجرى فى شرايينها حاملاً فصيلتها هى، ويخرج إلى المتلقى حاملاً نبرتها هى.

وهو من ناحية ثالثة يمثل عبقرية الشخصية المصرية القادرة على استيعاب البشر من شتى الأصول والجذور والأعراق، وتمثلهم وصبغهم بالصبغة المصرية الفريدة، ليصبحوا مصريين من أخمص القدم إلى شعر الرأس، ومن نبرة اللسان إلى خفقة الوجدان، فلا أحد يستطيع أن يتصور أن أمير الشعر العربى الفصيح فى العصر الحديث ينحدر من أصول جركسية أوكردية أو يونانية غير بعيدة، كما لا أحد يستطيع أن يتصور أن اثنين من أكبر شعراء العامية المصرية على الإطلاق: (بيرم التونسى، وفؤاد حداد) ينتميان إلى أصول تونسية وشامية شديدة القرب، وما كان لغير مصر أن تفعل هذا الفعل العبقرى المدهش، الذى يصهر الجميع فى البوتقة المصرية الجبارة.

هل أحدثك عن القفص الذهبى الذى ظن البعض أن شوقى سيظل أسيراً له، حين ولد وعاش وانتمى إلى قصر الحكم العلوى، وكيف أنه استطاع أن ينطلق منه ليعانق الفضاء المصرى، بل الشرقى الفسيح، ليصير شعره الغناء فى فرح الشرق والعزاء فى أحزانه؟!

أم أحدثك عن روائعه فى دمشق وبغداد وغيرهما من الحواضر العربية العريقة، وكيف صار ما كتبه فى كل منها أهم ما كتب فيها أو عنها؟!

وهل أحدثك عن ثقافته الفياضة التى تعانق فيها التراث العربى بالمنجز الأدبى الغربى الذى عاصره مرة فى فرنسا ومرة فى إسبانيا، ليخرج لنا إبداع أدبى شديد التفرد والائتلاق؟!

أم أحدثك عن معارضاته لأشهر القصائد العربية فى شتى العصور، بصورة تجعل النقاد فى حيرة متواصلة بين الأصل والمعارضة، وأيهما أرفع مستوى وأصدق عاطفة، فمن البحترى إلى ابن زيدون، ومن الحصرى القيروانى إلى الإمام البوصيرى.

كان شوقى وسيبقى الظاهرة الأدبية المدهشة التى تحتاج إلى مراجعات ومراجعات، علنا ننفذ إلى جوانب التميز فيها والاقتدار، لذلك فإن محاولات وضع تاج الإمارة على هامات الشعراء من بعده ذهبت أدراج الرياح، على الرغم من أن أولئك الشعراء كانوا بقامة العقاد أو بشارة الخورى أو الجواهرى، لكن بقى هناك أمير واحد هو عبقرى الشعرى العربى أحمد شوقى، فصرت إذا أطلقت لقب أمير الشعراء، لم ينازعه إياه أحد.
---------------------
بقلم: السيد حسن

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة